روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | فتاوى التكفير...وخطورة التأسِّي السلبي!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > فتاوى التكفير...وخطورة التأسِّي السلبي!


  فتاوى التكفير...وخطورة التأسِّي السلبي!
     عدد مرات المشاهدة: 1905        عدد مرات الإرسال: 0

أخطر شيء في مواجهة فكر التكفير هو إتكاء الشباب الصغار على بعض الفتاوى التي تتعجل في الحكم على فرد بالكفر دون إعمال لأي ضوابط وقواعد شرعية ومنهجية.

الأمر المتفق عليه أنَّ التكفير أمر مرفوض في دين الإسلام، وخطورته بالغة الأثر، والنصوص في هذا الأمر واضحة وصريحة وغير قابلة للتأويل، فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه».. وجاء في الصحيحين من حديث ثابت بن الضحاك أنَّه عليه الصلاة والسلام قال: «ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنًا بكفر فهو كقتله»، وقد جاء أنَّ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم رجل قرأ القرآن، حتى إذا رُئِيَت بهجتهُ عليه، وكان ردءًا للإسلام غيَّره إلى ما شاء الله، فإنسلخ منه، ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك»، قال: قلت: يا نبي الله أيهما أولى بالشرك: المرمي أم الرامي قال صلى الله عليه وسلم: «بل الرامي» رواه ابن حبان في صحيحه.. فإستبشاع قتل الإنسان وإزهاق روحه يحتاج معه إستبشاع تكفيره وإخراجه من دائرة الإسلام لأنَّ ذلك كقتله بنصِّ الحديث الصحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، فمن ثبت له عقد الإسلام بيقين لا يزول عنه إلا بيقين مثله أو أعلى منه كما قرَّر أهل العلم رحمهم الله.

إنَّ قضية التكفير ليست قضية منفصلة عن الصورة التي ينظر إلينا من خلالها، فنحن نعيش في عصر أصبح الإرهاب مشكلة عالمية، وأصبح عند المسلمين مرتبطًا بقضية التكفير، إذ إنَّ الإرهاب ما هو إلا نتيجة لإستباحة الدماء ثم العمل على إزهاقها، وهذا يجعلنا أمام محكٍ كبيرٍ وخطورة بالغة، فإمَّا أن نقدم للناس المنهج الشرعي السليم المبتعد عن نزعة التكفير الذي لم يعرف في التاريخ إلا عند الخوارج الذين يكفرون الأمة بالذنب، ويخرجونها بالشبهة، ويتوسعون في ذلك حتى يحكموا على الأفراد والجماعات بالكفر والمروق من الدين بالظنِّ والتشهي والجرأة على الله ورسوله، وما تبع ذلك من مآسٍ ومشكلات عويصة لا تزال الأمة تعاني منها إلى هذا اليوم، وإما أن نرسخ العكس من خلال ممارستنا لهذه النزعة بلا منهج يضبط هذا الأمر ويحدّ منه بل ويجرم من يتوسع فيه.

إنَّ من يطالع في القواعد التي رسمها علماء المسلمين عبر التاريخ الإسلامي ليدرك عظمة الجهد في دراسة هذه الظاهرة والحدّ منها وإعذار المسلمين، ووضع الضوابط والشروط الصارمة التي لابد من إتخاذها حين يراد الحكم على معين بالكفر، وهذا يضيق جدًا من مساحة الأحكام الجريئة التي تطلق الأحكام جزافًا على المعينين بلا إستفصال ولا إقامة حجة ولا نظر في المقاصد والمقولات الصريحة وعدمها، ولا التأكد من إقرار القائل بنسبة القول إليه، ولا التمييز بين قضايا الكفر التي هي محل إجماع قطعي يستباح من خلالها الدم، والمقولات التي تحتمل التأويل والخطأ في التصور والذي يحتاج إلى مناقشة وتفهم ورد للشبهات ومناقشة بالحجج دون الحاجة إلى إصدار الأحكام على الأشخاص بالكفر والخروج من الدين.

إنَّ مراعاة الصورة الذهنية التي ترسم على الأمة أمر مهم للغاية، وهو هدي نبوي عظيم ترك النبي صلى الله عليه وسلم لأجله ما يراه صحيحًا وصوابًا لأجل الناس -الذين لا يدينون بالإسلام- فحين طلب منه الصحابة أن يقتل المنافقين الذين هم أشر الناس على الأمة، أولئك الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، والله تعالى أخبرهم بأعيانهم وصفاتهم قال لهم: «لا، حتى لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه».. لأنَّ الناس تنظر إلى هؤلاء أنهم جزء من الأمة حتى ولو كانت بواطنهم وأعمالهم تخالف ظاهرهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسر لعائشة بأمر هو منهج نحتاجه في هذا الوقت حين قال: «يا عائشة لولا أنَّ قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإنَّ قريشًا اقتصرتها حيث بنت الكعبة» رواه مسلم في صحيحه، وهذا التصرف النبوي في زمنٍ مكنة الدولة، وقوة الرسالة وانتصار الأمة، وثقة الرسالة، وإيمان الناس، فكيف يمكن ألا تراعى الأحوال ونحن تنسج حولنا سواليف الغلو والتعطش للدماء وتربية الإرهابيين والتكفيريين، أليس الأولى بنا أن نراعِي مثل هذه الأحوال ونتبصر فيما يجري حولنا حتى نحسن صورة دعوتنا ودولتنا ومبادئنا التي نبشر الناس بها في الصباح والمساء؟ ألسنا بتصرفاتنا نثبت للناس ما يرمونه بنا عبر هذه الفتاوى التي تصدر من طلبة العلم ومشايخ لا شك بإرادتهم للخير، ولكن الخطأ وارد من الجميع ولا معصوم إلا من عَصَمه الله.

إنَّ أخطر شيءٍ في مواجهة فكر التكفير هو إتكاء الشباب الصغار على بعض الفتاوى التي تتعجل في الحكم على فرد بالكفر دون إعمال لأي ضوابط وقواعد شرعية ومنهجية، فتكون هذه الفتاوى تكئة لأولئك، فيفتّ هذا في عضد من يريد نزع فتيل الغلو، وتقوي موقف الغالي من سلامة منهجه، وتعطل الجهود التي تريد الحيلولة دون دخول شبابنا في مزالق التكفير التي هي بداية الإرهاب، فبدلاً من تصدِّي هؤلاء للتكفير أصبحت فتاواهم جزءًا وسندًا للمكفرين من حيث لا يشعرون.

الكاتب: بدر بن سليمان العامر.

المصدر: موقع نوافذ.